top of page

المُتعة الملعونة




أحترت في عنونة هذه التدوينة بين (لا اتعمد أن اكون شاطحاً) وبين العنوان الحالي (المُتعة الملعونة) ، والسبب في ميلي الى هذا العنوان هو انني دائماً ما أجد تلك اللذة الممتعة في نفسي عندما يصفني أحداً ايا كان بالشاطح ! سواء هذا التعليق كان عن قناعة ادليت بها او بعد مشاهدة عمل فوتوغرافي لي ، وأجد في نفسي ذلك الشعور بالإطراء من هذا التعليق رغم تساؤلي المُتشكك لماذا انا حسن الظّن الى هذه الدرجة !؟ لماذا نفسي تؤول الى الجانب الجيد في تلقي هذا الوصف ؟ ، في الحقيقة من ضمن دوائر معارفي القريبة مني هناك دائرة مكونه من شخصين وثالثهم انا ، جميعنا مصورين وجميعنا مُختلفين في النهج والذوق الفوتوغرافي ، او كلٌ منا ينتهج مدرسة مختلفة في التصوير اذا جاز التعبير ، في كل مرة نجتمع نتناقش ونتجادل حول موضوع التصوير ولا أخفيكم ايضاً انه غالب هذه الجلسات النقاشية تنتهي بتحالف اثنينهم علي ! ، فيتحول النقاش الى هجوم ودفاع حول النهج العملي الذي اسلكه في اعمالي وخصوصاً الغير تجارية ، ويتلخص هذا النقاش حول ما ان كانت أعمالي تُصنف بأعمال شاطحة ، وتعبير ذاتي لا يُسمن ولا يغني من جوع (من الناحية العملية التجارية) ، ولا تهدف ان تكون خدمية بالمعنى التجاري ايضاً .


في الحقيقة اتفق مع هذا القول جملة وتفصيلا ، ولكن الاتفاق لايعني بالضرورة انني مقتنع ، لانني لم اتعمد يوماً ان اصور كي يقال عني شاطحاً ، ان كان مقصدهم من هذا الشطح نزعه شخصية لدي ، أما اذا كان هذا الوصف في نطاق المُنتج الفوتوغرافي فإني اجد هذا الوصف إطراءاً .


الأمر الآخر ، قناعتي التامة ان كوني مصوراً هو جزء من اجزاء اخرى اقوم بعملها ! والتصوير التجاري جزء من التصوير كما هو الحال بالنسبة للتصوير التعبيري او الفني او الشاطح .


اسمحوا لي ان اوجه الاسطر القادمة الى اتجاه آخر !


لماذا اتحسس من ان اكون شاطحاً ، المُهتمين بالتسويق وأساليب التسويق (الماركيتيرز marketers ) يعرفون جيداً مُصطلح (التسويق الجماهيري mass market) وهو ان تقوم بقولبة منتج او فكره معينة لكي تتناسب مع الشريحة الكبرى من الناس Average people او الغالبية العظمى


يرى المسوقون ان الافكار تنتشر من خلال اربعة تصنيفات للناس او المستهلكين او المتقبلين للافكار



المُبتكرون : هم الاشخاص الذين يمتلكون الجرأة على ان يجربوا وينتجوا كل شيء جديد .


المتبنون الاوائل : هم الاشخاص الذين يمتلكون قابلية ان يجربوا كل ما ينتجه المبتكرون من افكار، كما ان لديهم الجرأة لتجربة كل ماهو جديد.


الغالبية العظمى : هم من تستهدفهم الشركات وتركز على الوصول لهم دائماً (الشريحه المُستهلكة) ، ولكن المشكلة في هذه الشريحة انها لاتملك الجرأة على تجربة الافكار او المنتجات الا من خلال المبتنون الاوائل ! فهم يميلون الى التأكد من ان تكون الفكرة او المُنتج مُجرب وموثوق من قبل ، رغم قناعتهم به ، وهذا يتم من خلال المتبنون والمبتكرون !.


المتقاعسون : وهم الشريحة التي لاتميل الى تجربة اي شيء ! (نفسيات).


الآن بعد هذا الشرح المُخلّ ، هذا بالضبط ماكنت اقنع نفسي به خلال تلك النقاشات التي تدور مع الاصدقاء ، مع حقيقة اني لم اكن اعرف ان هذه القناعة تستند الى تحليل تسويقي الا مؤخراً ، الحقيقة اني اسعى ان أنتج صوراً يكون فيها للتجربة المختلفة دوراً ، تصرف فطري مني ! .


لا أخفيكم انني مع الوقت وبسبب تلك النقاشات التي اخوضها مع اصدقائي ، تولدت في داخلي مقدرة حربائية مكنتني من تطويع العنجهية الفنية للعمل التجاري عكس ماكنت عليه في السابق وهو ان ارغم العمل التجاري ان يكون متوافقاً مع منظوري الفني ، في الحقيقة ارى ان هذا تطوراً يشوبه خجل الإعتراف، ولكن في نفس الوقت هذا لن يجعلني اتنازل عن تلك الشخصية الفنية (الشاطحة) فكراً ومظهراً ، لن اتنازل عن حقي في انني مُختلف عن غيري من السبعة ملايير على هذا الكوكب .


اعتقد انه اذا جاز لي الإشتغال في مجال يحفه الفنّ يمنياً ويساراً ، فهذا يلزم منه ان ابتعد عن الغالبية العُظمى، هذا ماكنت اتأمله في نفسي منذ فترة طويلة وهذا ما اسعى له دائماً وهذا مايسعى له كل فنان في تقديري ، وفي تقديري ايضاً انه بمجرد ان اكون فناناً يلزم مني هذا ان اسعى للتفرد بحكم طبع المجال نفسه لا رغبتاً ، اذا سلمت انني لا املك حرية الاختيار ، وهذا السعي للتفرد يلزم منه ان اكون مُحاكماً ناقداً لكل ماهو بديهي ولكل ماهو متعارف عليه .

السعي للتفرد يلزم منه مهام ان اتجاوز المعقولات وابحث خلفها ، وان اهدم اروقة القوالب والتصنيفات ، وهذه المهمة لن استطيع القيام بها اذا كنت مُقيداً ، او ان كنت اعرف استباقياً ان كل ما سوف اعبر عنه سيُقابل بتلك النظرة الشاطحة ! مِن من يجدون في القوالب مكاناً آمناً لهم .


إن اكثر مايثير قلقي حقيقة ، هو ذلك الشعور الذي يساورني عندما الاحظ ان التطابق مع الاخرين يبعث في داخلي شعوراً بالإطمئنان ! ، دائماً ما تجفل نفسي من هذه الفكرة تماماً بدافع الغيرة على نفسي ، لا احب ان اتطابق مع غيري ! ، ولا اقوم بهذا الفعل اعتباطاً او عناداً وانما هذا أمر فطري في تقديري ! ، في المقابل هذا لا يعني اني من كوكب نيبتون .


سأفلسف هذا الإطمئنان عندما اكون مع من يتطابقون معي ! بجملة قصيرة !

سيكون على احدنا مهمة التسليك للآخر وموافقته على كل مايقول جملةً وتفصيلا ! ، سيكون لازماً على احد منا ان يكون تابع والاخر متبوع ! لا أجيد هذا الاسلوب في الحياة تماماً !


يستحضرني الان مثل يقول : لاتمشي امامي فأنا لست عبداً ، ولا تمشي خلفي فمن الممكن ان أجيب العيد فيك ، ولكن ، كُن صديقي وأمشي بجانبي .


اعتقد ان ما يلخصه هذا المثل هو انه عندما نكون بجانب بعضنا البعض نكون بذلك قد تجاوزنا مسألة ان يكون الاختلاف قضية يُنظر لها اصلاً ، فيتحول الامر بديهياً ولا يُلتفت اليه ، ويصبح التطابق مع الاخرين هو مايكون شذوذاً يلفت النظر !


ان كان لهذه التدوينة من هدف ، فهي دعوة مفتوحة الى كل من يساوره ذلك الصوت الداخلي بحقيقة انه مُختلف ! نصيحتي لك ، إستمع الى ذلك الصوت ، وعليك ان تعرف تماماً انه ليس من السهل ان تتبنى مايُمليه عليك ذلك الصوت ، لانك ستتفاجئ بان أغلب الوقائع والشواهد لن تكون في صفك ! ، كل الوقائع ستحاول ان تجعل منك جزءاً من نمط عام يُسمى (بالغالبية العُظمى) .


وتحرم من المُتعة الملعونة !


يا شاطح


كونوا بخير


عامر



١٣/٤/٢٠١٤ م

103 views
bottom of page